الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***
يعني: الإدغام اللائق بالتصريف كما قيده في الكافية. والإدغام. لغة: الإدخال، والإدغام -بالتشديد- افتعال منه، وهي عبارة سيبويه. وقال ابن يعيش: الإدغام -بالتشديد- من ألفاظ البصريين، والإدغام -بالتخفيف- من ألفاظ الكوفيين. وحده اصطلاحًا: أن تأتي بحرفين ساكن ومتحرك من خرج واحد بلا فصل، ويكون في المثلين وفي المتقاربين، وفي كلمة وفي كلمتين، وهو باب مُتَّسع. واقتصر الناظم في هذا الفصل على ذكر إدغام المثلين المحركين في كلمة. ولا بد من تتميم الفائدة باستيفاء الكلام على إدغام المثلين. فأقول: إذا التقى المثلان، فالتقاؤهما على ثلاثة أضرب: الضرب الأول: أن يسكن أولهما ويتحرك ثانيهما نحو "اضرب بكرًا" فهذا يجب إدغامه بثلاثة شروط: أولها: ألا يكون أول المثلين هاء سكت، فإنه لا يدغم لأن الوقف على الهاء منوي، وقد روي عن ورش إدغام {مَالِيَهْ، هَلَكَ} وهو ضعيف من جهة القياس. وثانيها: ألا يكون همزة منفصلة عن الفاء نحو "إكلأ أحمد" فإن الإدغام في ذلك رديء، بل يلزم تحفيف إحداهما، فلو كانت الهمزة متصلة بالفاء وجب الإدغام نحو سآل. وثالثها: ألا يكون مدة في آخر أو مبدلة من غيرها دون لزوم، فإن كان مدة في آخر لم تدغم نحو: يعطي ياسر، ويغزو واقد، لئلا يذهب المد بالإدغام، فإن لم يكن في آخر وجب الإدغام نحو مغزو أصله مغزوو على وزن مفعول، واغتفر ذهاب المد في هذه لقوة الإدغام فيه، وإن كانت مبدلة من غيرها دون لزوم لم يجب الإدغام، بل يجوز إن لم يلبس نحو {أَثَاثًا وَرِئْيًا} في وقف حمزة، وممتنع إن ألبس نحو قوول بناء ما لم يسم فاعله من قاول؛ لأنه لو أدغم لالتبس بفعل فإن كانت المدة مبدلة من غيرها إبدالًا لازمًا وجب الإدغام نحو أوب وهو مثال أبلم من الأوب أصله أأوب، فقلب ثاني الهمزتين واوًا لسكونها بعد ضمة، ثم أدغم وجوبًا للزوم الإبدال. الضرب الثاني: أن يتحرك أولهما ويسكن ثانيهما فهذا لا يجوز فيه إدغام؛ لأن من شرط الإدغام تحرك المدغم فيه، ومثال ذلك في كلمة ضللت، وفي كلمتين: رسول الحسن. الضرب الثالث: أن يتحركا، فإن كان من كلمتين جاز الإدغام بشرطين: أحدهما: ألا يكونا همزتين نحو: "قرأ آية" فإن الإدغام في الهمزتين رديء. والآخر: ألا يكون الحرف الذي قبلها ساكنًا غير لين نحو: "شهر رمضان" فإن هذا لا يجوز إدغامه عند جمهور البصريين، وقد روي عن أبي عمر إدغام ذلك، وتأولوه على إخفاء الحركة، وأجاز الفراء إدغامه. وإن كانا من كلمة واحدة فهو الذي تعرض الناظم لبيانه في قوله: أول مثلين محركين في... كلمةٍ ادغم........... "فأمر بإدغام أول المثلين المحركين" فشمل ذلك الأفعال نحو رد وظن ولب، أصلها ردد وظنن ولبب، والأسماء نحو صب وضب، أصلهما فعل، بالكسر، فالإدغام في ذلك واجب بستة شروط: الأول: ألا يتصدرا نحو "ددن" فمثل ذلك لا يجوز إدغامه، لتعذر الابتداء بالساكن، قال المصنف في بعض كتبه: إلا أن يكون أولهما تاء المضارعة فقد تدغم بعد مدة أو حركة نحو {وَلَا تَيَمَّمُوا} {تَكَادُ تَمَيَّزُ} انتهى. ويجوز أيضًا الإدغام في الفعل الماضي إذا اجتمع فيه تاءان، والثانية أصلية نحو تتابع، ويؤتى بهمزة الوصل فيقال: اتّابَع، ولم يذكر هنا هذا الشرط وقد ذكر في الكافية وغيرها. الثاني: ألا يكون ماهما فيه اسما على فعل نحو صفف أو فعل نحو ذُلُل -جمع ذلول- أو فعل نحو كلل -جمع كلة، أو فعل نحو لبب، فكل ذلك لا يجوز إدغامه. وإلى هذا أشار بقوله: "لا كَمِثْلِ صُفف. وذلل وكلل ولبب". فإن قلت: ما علة منع إدغام هذه الأمثلة؟. قلت: أما الثلاثة الأولى فلأنها مخالفة للأفعال في الوزن، والإدغام فرع في الإظهار، فخص بالفعل لفرعيته، وتبع الفعل ما وازنه من الأسماء دون ما لم يوازن. وأما الرابع: فإنه موازن للفعل، ولكنه لم يدغم لخفته، وليكون منبّهًا على فرعية الإدغام في الأسماء، حيث أدغم موازنه في الأفعال نحو رَدَّ فيعلم بذلك ضعف سبب الإدغام فيه وقوته في الفعل. واعلم أنه يمتنع الإدغام أيضًا فيما وازن أحد هذه الأمثلة بصدره لا بجملته نحو: خُشَشَاء -لعظم خلف الأذن- فإنه موازن بصدره لفعل نحو صفف، ونحو: رددان، وهو مثال سلطان من الرد، فإنه موازن بصدره لفعل نحو ذلك، ونحو: حببة جمع حب فإنه موازن بصدره لفعل نحو: كلل، ونحو: الدَّجَجَان مصدر دَجَّ بمعنى دَبّ، فإنه موازن بصدره لفعل نحو: لبب، ولو بنيت من الرد مصل غطفان قلت: رددان -بالفك- هذا مذهب الخليل وسيبويه، وخالف الأخفش فقال: ردان -بالإدغام- ووجه أن الألف والنون بزيادتهما التزم تحريم الدال التي تليهما، فثقل توالي الفتحتين، فأدغم تخفيفًا وصار في ذلك نظير الفعل في الثقل نحو رد، بل هو أولى بالإدغام من الفعل؛ لأن حركة الدال الأخيرة في الفعل ليست بلازمة والصحيح ما ذهب إليه الخليل وسيبويه لأنه هو الذي ورد به السماع. فإن قلت: كان ينبغي أن يستثنى مثالًا خامسًا يمتنع فيه الإدغام وهو فعل نحو إبل؛ لكونه مخالفًا لأوزان الأفعال. فلو بنيت من الرد مثل إبل قلت: رِدِد، بالفك، قلت: العذر له في عدم استثنائه أنه بناء لم يكثر في الكلام، ولم يسمع في المضاعف، وقد استثناه في بعض نسخ التسهيل. واعمل أن أوزان الثلاثي التي مكن فيها اجتماع مثلين متحركين لا تزيد على تسعة، وقد سبق ذكر خمسة منها، وبقيت أربعة، منها واحد مهمل فلا كلام فيه، وهو فعل -بكسر الفاء وضم العين- وثلاثة مستعملة وهي: فعل نحو كتف، وفعل نحو عضد، وفعل نحو دئل. فإذا بنيت من الرد مثل كتف أو عضد قلت: رد -بالإدغام- لأنهما موافقان لوزن الفعل، وليسا في خفة فعل نحو لبب، هذا مذهب الجمهور، وخالف ابن كيسان فقال: رَدِدٌ ورَدُدٌ بالفك. وإذا بنيت من الرد مثل دئُِل قلت: ردُِد -بالفك- ومن رأى أن فعل أصل في الفعل ينبغي أن يدغم، وقياس مذهب ابن كيسان الفك، بل هو في هذا أولى. والثالث: ألا يتصل بأول المثلين مدغم فيه، وإليه أشار بقوله: "ولا كَجُسَّس" وهو جمع جاس، فإن فيه مثلين متحركين ولم يدغم أولهما في الثاني؛ لأن قبلهما مثل آخر مدغمًا في أول المتحركين، فلو أدغم المدغم فيه التقى الساكنان وبطل الإدغام السابق. الرابع: ألا يعرض تحريك ثانيهما، وإليه الإشارة بقوله: "ولا كأخصص أبي" فهذا فيه مثلان متحركان ولم يدغم؛ لأن حركة الثاني عارضة، إذ هي حركة النقل والأصل اخصص -بالإسكان- فنقلت حركة الهمزة إلى الساكن فلم يعتد بها، لعروضها. والخامس: ألا يكون ما هما فيه ملحقًا بغيره، وإليه الإشارة بقوله: "ولا كهيلل" وذلك نوعان؛ أحدهما: ما حصل فيه الإلحاق بزائد قبل المثلين نحو "هيلل" إذا قال لا إله إلا الله؛ لأن لامي هيلل متحركان في كلمة ولا سبيل إلى إدغام أولهما في الثاني، لأن قبلهما مزيدًا للإلحاق بدحرجة وهو الياء فامتنع الإدغام لئلا تفوت "المماثلة". والآخر: ما حصل فيه الإلحاق بأحد المثلين نحو جلبب؛ لأن إحدى باءيه مزيدة للإلحاق بدحرجة فامتنع الإدغام، لاستلزامه فوات ما قصد من الإلحاق. والسادس: ألا يكون مما شذت العرب في فكه اخيارًا، وهي ألفاظ محفوظة لا يقاس عليها، وإلى هذا أشار بقوله: ....... وَشَذَّ في أَلِلْ... وَنَحْوِهِ فَكُّ بِنقْلِ فَقُبِلْ وهذه الألفاظ "ألل السقاء" إذا تغيرت رائحته، والأسنان إذا فسدت، والأذن إذا رقت، و"دبب الإنسان" إذا نبت الشعر في جبينه، و"صكك الفرس" إذا اصطكت عرقوباه، و"صببت الأرض" "إذا كثر ضبابها"، و"قطط الشعر" إذا اشتدت جعودته و"لَحِحَتِ العين أو لخِخَت" إذا التصقت بالرمص و"مِشَشَت الدابة" إذا شخص في وظيفها حجم دون صلابة العظم، و"عززت الناقة" إذا ضاق إحليلها وهي مجرى لبنها، فشذوذ ترك الإدغام في هذه كشذوذ ترك الإعلال في نحو القَودَ ونحوه. وقد شذ الإظهار أيضًا في كلمات من الأسماء منها قولهم: "رجلٌ ضَفِفُ الحال" و"مُحَبَب" وحكى أبو زيد "طعام قضض" إذا كان فيه يُبس، ولا يجوز القياس على شيء من هذه المفكوكات، وما ورد من ذلك في الشعر عد من الضرورات كقول أبي النجم: الحمد لله العلي الأجلل........................ وَحَييِ افكُك وادَّغِم دُونَ حذر... كذاك نحو تتجلى واستتر يعني أن الفك والإدغام جائزان في هذه المواضع الثلاثة: الأول: ما عينه ولامه ياءان لازم تحريكهما نحو "حي" و"عي"، فمن أدغم نظر إلى أنهما مثلان في كلمة وحركة ثانيهما لازمة، وحق ذلك الإدغام لاندراجه في الضابط المتقدم، ومن أظهر نظر إلى أن اجتماع المثلين في باب حَيَى كالعارض لكونه مختصا بالماضي دون المضارع والأمر، والعارض لا يعتد به غالبًا. فإن قلت: أي الوجهين أكثر في كلامهم؟. قلت: الفك، نص على ذلك النحويون وكلاهما "فصيح". وقرأ بهما في التواتر، ولعل الناظم قدم الفك لكثرته. تنبيه: لو كانت حركة الياء الثانية عارضة نحو "لن يَحييَ، ورأيت مُحْيِيًا". لم يجز الإدغام، وأما قوله: وكأنها بين النساء سبيكة... تمشي بسدة بيتها فَتُعِيُّ فشاذ لا يقاس عليه، وأجازه الفراء. الثاني: نحو تتجلى، قال الشارح: كل ما فيه تاءان مثل تتأنى تتجلى فهذا قياسه الفك لتصدر المثلين، ومنهم من يدغم فيسكن أوله ويدخل همزة الوصل فيقول: تجلى، وقال في شرح الكافية: إذا أدغمت فيما اجتمع في أوله تاءان زدت همزة وصل تتوصل بها إلى النطق بالتاء المسكنة للإدغام فقلت في تتجلى اتّجلى، انتهى. وفي هذا نظر؛ لأن تتجلى فعل مضارع، واجتلاب همزة الوصل لا يكون في المضارع، والذي ذكره غيره من النحويين أن الفعل المفتتح بتاءين إن كان ماضيًا نحو تتبع وتتابع، جاز فيه الإدغام واجتلاب همزة الوصل. فيقال: اتَّبَّعَ واتّابَعَ، وإن كان مضارعًا نحو تتذكر لم يجز فيه الإدغام إن ابتدئ به، لما يلزم من اجتلاب الهمزة وهي لا تكون في المضارع، بل يجوز تخفيفه بحذف إحدى التاءين، وسيأتي، وإن وصل بما قبله جاز إدغامه بعد متحرك أو لين نحو: "تكاد تميز" "ولا تيمموا" لعدم الاحتياج في ذلك إلا اجتلاب همزة الوصل، والله أعلم. الثالث: نحو استتر، وهو كل فعل على افتعل اجتمع فيه تاءان، فهو أيضًا يجوز فيه الفك، وهو قياسه، لبناء ما قبل المثلين على السكون، ويجوز فيه الإدغام بعد نقل حركة أول المثلين إلى الساكن، فتقول: ستر يستر ستار. تنبيهات: الأول اعلم أن الإدغام في استتر ونحوه يوجب طرح همزة الوصل من أوله لتحرك الساكن بحركة النقل، فلذلك قيل فيه ستر. الثاني: إذا أوثر الإدغام صار اللفظ به كلفظ ستر الذي وزنه فعل -بتضعيف العين- ولكن يمتازان بالمضارع والمصدر؛ لأنك تقول في مضارع الذي أصله افتعل يستر -بفتح أوله- وأصله يستتر، فنقل وأدغم. وتقول في مضارع الذي وزنه فعّل يسَتّر -بضم أوله، وتقول في مصدر الذي أصله افتعل: ستارًا، وأصله استتارًا، فلما أريد الإدغام نقلت الحركة فطرحت الهمزة، وتقول في مصدر الذي وزنه فعل تستيرًا على وزن تفعيل. الثالث: يجوز في استتر ونَحوه إذا أدغم وجه آخر، وهو أن يقال: ستر -بكسر فائه- على أصل الساكنين، وذلك أن الفاء ساكنة وحين "قصد" الإدغام سكنت التاء الأولى، فالتقى ساكنان فكسر أولهما على أصل التقاء الساكنين، ويجوز على هذه اللغة كسرة التاء إتباعًا لفاء الكلمة فتقول: ستر وقتل والمضارع واسم الفاعل واسم المفعول مبنية على ذلك إلا أن اسم الفاعل يشبته بلفظ اسم المفعول على لغة من كسر التاء إتباعًا، فيصير مشتركًا كمختار، ويتوقف على قرينة. الرابع: ما ذكر في هذا البيت كالمستثنى من الضابط المتقدم، فإن حي مندرج فيه فكان حقه الإدغام على سبيل اللزوم فاستثناه ليعلم أنه ذو وجهين، وكذلك استتر، وأما نحو تتجلى فلم يندرج في الضابط المتقدم لتصدر المثلين فيه. والله أعلم. وما بتاءين ابْتُدِي قد يُقتصر... فيه عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ العِبر إذا اجتمع في أول الفعل المضارع تاءان جاز حذف أحدهما نحو "تبين العبر" وأصله تتبين الأولى تاء المضارع والثانية تاء تفعل، وعلة الحذف أنه لما ثقل عليهم اجتماع المثلين، ولم يكن سبيل إلى الإدغام لما يؤدي إليه من اجتلاب همزة الوصل، وهي لا تكون في المضارع، عدلوا إلى التخفيف بحذف إحدى التاءين. تنبيهات: الأول: هذا الحذف كثير جدًّا، ومنه في القرآن مواضع كثيرة نحو: {لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ}. الثاني: أبهم في قوله: أحدهما فمذهب سيبويه والبصريين أن المحذوف التاء الثانية؛ لأن الاستثقال بها حصل، ولأن الأولى دالة على المضارعة، وقد صرح بذلك في التسهيل فقال: والمحذوفة هي الثانية لا الأولى خلافًا لهشام يعني: أن مذهب هشام أن المحذوفة هي الأولى، ونقله غيره عن الكوفيين. الثالث: أطل في قوله: "وما بتاءين ابتدي" وهذا إنما هو في المضارع؛ لأنه الذي يتعذر فيه الإدغام، وأما الماضي فيه تتابع، فلا يتعذر فيه الإدغام. الرابع: ما ذكر من تعذر الإدغام في المضارع، إنما هو في الابتداء لا في الوصل كما سبق بيانه في الكلام على نحو تتجلى. الخامس: قوله في شرح الكافية: قد يقال في مثل تتعلم استثقالًا لتوالي المثلين متحركين وللإدغام المحوج إلى زيادة همزة الوصل، قد يوهم أن الإدغام في ذلك جائز، وإن كان مستثقلًا كما يجوز إبقاء المثلين متحركين في ذلك، وكذلك قول الشارح هربًا، إما من توالي مثلين متحركين وإما من إدغام محوج إلى زيادة "همزة" الوصل، وقد صرح في التسهيل بما يدفع هذا التوهم فقال: وقد يحذف تخفيفًا المتعذر إدغامه لسكونه الثاني "كاستخذ" في الأظهر أو لاستثقاله بتصدر المدغم كتنزل. السادس: قد يفعل هذا التخفيف بالحذف فيما تصر فيه نونان، ومن ذلك ما حكاه أبو الفتح من قراءة بعضهم: {وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} قال في شرح الكافية: في هذه القراءة دليل على أن المحذوفة من تاءي تتنزل حين قال: "تنزل" إنما هي الثانية؛ لأن المحذوفة من نوني "نزل" في القراءة المذكورة إنما هي الثانية. قال الشارح: ومنه على الأظهر قوله تعالى: "وكذلك نُجِّي المؤمنين" في قراءاة ابن عامر وعاصم، أصله نُنَجِّي، ولذلك سكن آخره. وَفُكّ حيثُ مُدْغَمٌ فِيهِ سَكَنْ... لِكَونِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ إذا سكن آخر الفعل المدغم فيه لاتصاله بضمير الرفع وجب الفك؛ لأن ثاني المثلين قد سكن فتعذر الإدغام، والمراد بضمير الرفع تاء الضمير ونا ونون الإناث نحو رددت، ورددنا، ورددن، وقد مثل بقوله: "نحو حللت ما حللته". تنبيه: فك الإدغام في ذلك واجب عند جمهور العرب، قال في التسهيل: والإدغام قبل الضمير لُغيّة، قال سيبويه: وزعم الخليل أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون ردَّنَا ومَرَّنَا ورَدَّت، وهذه لغة ضعيفة، كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول النون والتاء، وأبقوا اللفظ على حاله، وحكى بعض الكوفيين في ردّن ردن -يزيد نونًا ساكنة قبل نون الإناث ويدغمها فيها؛ لأن نون الإناث لا يكون ما قبلها إلا ساكنًا، وحكى بعضهم في ردّت ردّات، وهي في غاية الشذوذ، ووجهه أن هذه التاء لا يكون ما قبلها إلا ساكنًا، وحافظ على بقاء الإدغام فزاد ألفًا قبلها. ................ وفي... جَزْمٍ وشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْييرٌ قُفِي يعني: أن المدغم فيه إذا سكن جزمًا أو وقفًا، وهو المراد بشبه الجزم، جاز فيه الفك والإدغام نحو لم يحلل ولم يحل، واحلل وحل، والفك لغة أهل الحجاز، والإدغام لغة بني تميم، وقيل: لغة غير أهل الحجاز، وإنما أدغم بنو تيم اعتدادًا بتحرك الساكن في بعض الأحوال نحو: اردد القوم ولم يردد القوم. تنبيهات: الأول: إنما جعل سكون الأمر في نحو احلل يشبه الجزم؛ لأن الأمر يعامل آخره معاملة المضارع المجزوم. الثاني: يعني بالتخيير استواء الوجهين في الجواز، فالمتكلم متخير في اتباع أيهما شاء، وليس المراد استواؤهما في الفصاحة؛ لأن الفك لغة أهل الحجاز وبها جاء القرآن غالبا كقوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ} {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} {وَلَا تَمْنُنْ} {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} وجاء على لغة تميم قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكوفيين {مَنْ يَرْتَدَّ} في المائدة وقراءة السبعة {وَمَنْ يُشَاقِّ}. الثالث: إذا أدغم في الأمر على لغة تميم وجب طرح همزة الوصل، لعدم الاحتياج إليها، وحكى الكسائي أنه سمع في الأمر من عبد القيس أرد وأغض وأمر، بهمزة الوصل، ولم يحك ذلك أحد من البصريين. الرابع: إذا اتصل بالمدغم فيه واو جمع، نحو ردوا، أو ياء مخاطبة نحو ردي، أو نون تأكيد نحو ردن، أدغم الحجازيون وغيرهم من العرب، كذا قالواه، وعللوه أن الفعل حينئذ مبني على هذه العلامة فليس تحريكه بعارض. الخامس: التزم المدغمون فتح المدغم فيه قبل هاء غائبة نحو: "رُدّها ولم يَرُدّها" والتزموا ضمة قبل هاء غائب نحو "رده ولم يرده" قالوا: لأن الهاء خفية، فلم يعتد بوجودها، فكأن الدال قد وليها الألف والواو نحو "ردا وردوا" وحكى الكوفيون "ردها" -بالضم والكسر، ورده -بالكسر والفتح- وذلك في المضموم الفاء، وذكر ثعلب الأوجه الثلاثة قبل هاء الغائب، وغلط في تجويزه الفتح، وأما الكسر فالصحيح أنه لغة، سمع الأخفش من ناس بني عقيل: مدة وعضة، والتزم أكثرهم بالكسر قبل ساكن فقالوا: "رد القوم" بالكسر؛ لأنها حركة التقاء الساكنين في الأصل، ومنهم من فتح وهم بنو أسد قال: فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ... فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا وأما الضم فقال في التسهيل: ولا يضم قبل ساكن بل يكسر وقد يفتح انتهى. وحكى ابن جني الضم أيضًا، وهو قليل. فإن لم يتصل بالفعل هاء الغائبة أو هاء الغائب أو الساكن، ففيه ثلاث لغات: الفتح مطلقًا نحو رد وفر وعض، وهي لغة أسد وناس غيرهم، والكسر مطلقًا نحو رُدِّ وفِرّ وعَضِّ، وهي لغة كعب ونمير، والإتباع لحركة الفاء نحو رُدُّ وفِرِّ وعضِّ، وهذا أكثر "في كلامهم". لما ذكر جواز الفك والإدغام في المجزوم وشبهه وهو الأمر استدرك بيان حكم أفعل في التعجب فقال: وَفُّك أفعِل في التَّعَجُّب التُزِمْ... والتُزِمَ الإدْغَامُ أيضًا فِي هَلُمّ فإنه قد التزم الجميع فكه. قال في شرح الكافية: مفكوك بإجماع. قلت: كأنه يعني إجماع لعرب، فإن إدغامه غير مسموع في كلامهم وإنما المسموع الفك كقوله: وَقالَ نَبِيُّ المُسْلِمِينَ تَقَدَّموا... وَأحْبِبْ إِلَينا أَن نَكونَ المُقَدَّما وإن أراد إجماع النحويين فليس كذلك؛ لأن بعض النحويين حكى عن الكسائي إجازة إدغامه، وأما هلم فإدغامه لازم بإجماع. تنبيهات: الأول: اختلف العرب في "هلُمّ" فهي عند الحجازيين اسم فعل بمعنى أحضر أو أقبل، وهي عند بني تميم فعل أمر لا يتصرف ملتزم إدغامه، وإنما ذكر هنا باعتبار فعليتها، وقد استعمل لها مضارعًا من قيل له هلم فقال: لا أهلم. الثاني: التزموا أيضًا فتح "ميم هلم" وحكى الجرمي فيه الفتح والكسر عند بعض بني تميم، "وإذا اتصل بهاء غائب نحو: هلمه لم يضم بل يفتح وكذا يفتح أيضا إذا اتصل به ساكن نحو هلم الرجل". "الثالث: تكون هلّم عند بني تميم" فعلا اتصلت بها الضمائر المرفوعة البارزة، وأكدت بنون التوكيد فيقال: هلما وهلموا وهلمي -بضم الميم قبل الواو وتكسر قبل الياء، فإذا اتصل بها نون الإناث فالقياس هَلْمُمْنَ، وزعم الفراء: أن الصواب هلمَّنّ -بفتح الميم، وزيادة نون ساكنة بعدها وقاية لتفح الميم، ثم تدغم النون الساكنة في نون الضمير، وحكي عن أبي عمرو أنه سمع من العرب هلمين يا نسوة -بكسر الميم مشددة وزيادة ساكنة بعدها قبل نون الإناث، وحكى عن بعضهم هلمن -بضم الميم- وهو شاذ، وعلى لغة بني تميم بني أبو الطيب قوله: قَصَدْنَا لَه قَصْدَ الْحَبِيبِ لِقَاؤُهُ... إِلَيْنَا وَقُلْنَا للسيوفِ هَلُمَّنَا فأكدها بالنون الشديدة. الرابع: ذهب بعض النحويين إلى أن "هلم" في لغة تميم اسم غلب فيه جانب الفعلية واستدل بالتزامهم فتح ميمها والإدغام، ولو كانت فعلًا لجرت مجرى رد في جواز الضم والكسر والإظهار، وأجيب بأن التزام أحد الجائزين لا يخرجها عن الفعلية، والتزام أحد الجائزين في كلامهم كثير. الخامس: نقل بعض النحويين الإجماع على أن "هلم" مركبة، قلت: وفي البسيط: ومنهم من يقول ليست مركبة. وفي كيفية التركيب خلاف، قال البصريون: مركبة من "ها" التنبيه ومن "لم" التي هي فعل أمر من قولهم: "لم الله شعثه" أي: جمعه، كأنه قيل: اجمع نفسك إلينا فحذفت ألفها تخفيفًا، ونظرًا إلى أن أصل لام "لم" السكون. وقال الخليل: ركبا قبل الإدغام، فحذفت الهمزة للدرج، إذا كانت همزة وصل وحذفت الألف لالتقاء الساكنين، ثم نقلت حركة الميم الأول إلى اللام، وأدغمت، وقال الفراء: مركبة من "هل" التي للزجر، و"أم" بمعنى اقصد، فخففت الهمزة بإلقاء حركتها إلى الساكن قبلها فصار "هلم" ونسب بعضهم هذا القول إلى الكوفيين، وقول البصريين أقرب إلى الصواب. والله سبحانه أعلم. ولما أنهى الكلام على ما قصد في فصل الإدغام وهو آخر ما يذكر فيه التصريف قال على سبيل التعريف: وَمَا بِجَمْعِهِ عُنِيتُ قَد كَمَلْ... نَظْمًا عَلَى جُلِّ الْمُهِمّات اشْتَمَلْ أَحْصَى مِن الكَافِية الخُلَاصَهْ... كَمَا اقْتَضَى غِنىً لا خَصَاصَهْ فأخبر بانتهاء ما قصد جمعه في هذا النظم، واشتماله على أعظم المهمات من هذا العلم، يقال: "عُنِيَ بكذا" أي اهتم به، والأفصح بناؤه للمفعول وبناؤه للفاعل لُغيّة حكاها في اليواقيت، وأنشد عليها: عانِ بَأخْراهَا طويلُ الشُّغْلِ ثم ختم الكلام بحمد الله والصلاة على نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال: فَأَحْمَدُ الله مُصَلِيًا عَلَى... مُحَمّد خَيْر نَبِي أُرْسِلَا وآله الغُرِّ الكِرَامِ البرَرَه... وَصَحْبِهِ الْمنْتَخَبِينَ الْخِيَرَهْ تم الكتاب بعناية الملك الوهاب، والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام، المرسلين وعلى آهل والصحابة أجمعين. محتويات المجلد الثالث: الصفحة الموضوع 1101 الجزء الرابع 1103 أسماء لازمت النداء 1110 الاستغاثة 1120 الندبة 1126 الترخيم 1150 الاختصاص 1153 التحذير والإغراء 1159 أسماء الأفعال والأصوات 1170 نونا التوكيد 1189 ما لا ينصرف 1228 إعراب الفعل 1265 عوامل الجزم 1295 فصل "لو" 1305 فصل "أما، ولولا، ولوما" 1311 الإخبار بالذي والألف واللام 1318 العدد الصفحة الموضوع 1327 تمييز المركب 1335 كم، وكأين، وكذا 1346 الحكاية 1351 الجزء الخامس 1353 التأنيث 1362 المقصور والممدود 1366 كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا 1377 جمع التكسير 1419 التصغير 1443 النسب 1469 الوقف 1491 الإمالة 1508 التصريف 1550 فصل في زيادة همزة الوصل 1559 الجزء السادس 1561 الإبدال 1593 فصل "إذا اعتلت لام فَعْلى" 1596 فصل "إذا اجتمعت الواو والياء وسكن ما قبلهما" الصفحة الموضوع 1605 فصل "إذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح" 1618 فصل "إذا كان فاء الافتعال حرف لين" 1631 فصل في الإعلال بالحذف 1638 فصل في الإدغام 1653 محتويات المجلد الثالث
|